يمثل العرق الآذرى فى إيران ثلث سكانها تقريبا، كما توجد بها أعداد كبيرة من الأقليات القومية الأخرى. ونظرا لتاريخ أذربيجان وثقافتها ودينها الشيعى، نظرت إليها طهران على أنها أرض مفقودة ضلت الطريق ويجب أن تكون جزءا من إيران أو على الأقل ضمن نطاق نفوذها. وعموما، تنظر إيران إلى أذربيجان بنفس الطريقة التى تنظر بها روسيا إلى أوكرانيا: أى إنها جزء من وطنها، وفى يوم من الأيام سيعود إلى الوطن.
ازدوجت معايير إيران التى تمثلت فى دعمها لوحدة أراضى الدول بشكل واضح عندما تجاهلت احتلال أرمينيا لخُمس أراضى أذربيجان. وبنفس الطريقة، تدعم إيران أيضا ضم روسيا للأراضى الأوكرانية. تفضل كل من إيران وروسيا دولة أذربيجان وأوكرانيا الضعيفة، بدلا من دول منتعشة بتحالفات مع تركيا أو الغرب. توافق أرمينيا على ذلك، وتفضل أيضا أذربيجان الضعيفة على أذربيجان القوية.
خلال العقود الثلاثة الماضية وحتى اندلاع النزاع فى إقليم ناجورنو كاراباخ فى عام 2020، كانت إيران راضية عن النفوذ الروسى فى منطقة القوقاز. وتشارك إيران روسيا المصلحة فى إبقاء النزاعات فى المنطقة بدون حل، حيث ينظر كلاهما إلى تلك الصراعات كوسيلة للسماح لهما بمواصلة التقسيم والحفاظ على مجال نفوذهما على القوقاز. لذلك، خلال حرب كاراباخ فى 2020، غزت القوات الإيرانية الأراضى الأذربيجانية لفترة وجيزة. كان الهدف هو سحب القوات العسكرية الأذربيجانية من تقدمها فى الجنوب ضد القوات الأرمنية.
بعد ذلك، أصبحت إيران أكثر عدوانية بسبب هزيمة أذربيجان لأرمينيا. قامت طهران بتوجيه تهديدات عسكرية متكررة، وأجرت مناورات عسكرية بالقرب من الحدود مع أذربيجان. بدأت إيران بتزويد أرمينيا بطائرات بدون طيار. كما قامت بتدريب وتقديم الدعم المالى والاستخباراتى للجماعات الإرهابية الإسلامية فى أذربيجان. من جانبها، ومنذ أكتوبر 2021، بدأت أذربيجان فى تضييق الخناق على الخلايا الشيعية المتطرفة وطرد رجال الدين الإيرانيين. اعتقلت أذربيجان تسعة عشر شخصا ينتمون إلى حركة الوحدة الإسلامية المحظورة، الذين دربتهم إيران فى سوريا للقيام بهجمات إرهابية.
تم ترسيخ تحالف عسكرى غريب نوعا ما بين بلدين أصوليين ــ أحدهما شيعية إيران، تسعى إلى تثبيت ثيوقراطية شيعية فى أذربيجان وإعادة البلاد إلى دائرة نفوذها، والآخر مسيحية أرمينيا بثلاث طرق. الأول كان مساعدة أرمينيا لإيران وأخيرا روسيا على التهرب من العقوبات الدولية وكسر عزلتهما. والثانى هو العمل كوسيط فى إمداد روسيا بالطائرات بدون طيار والصواريخ التى يستخدمها الكرملين فى هجماته ضد أهداف مدنية أوكرانية. والثالث دعمت أرمينيا طهران دبلوماسيا فى الأمم المتحدة وفى المنظمات الدولية الأخرى. على إثر ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من الشركات الأرمينية التى تتهمها بتشكيل شبكة عابرة للحدود لشراء تكنولوجيا للمجمع الصناعى العسكرى الروسى. كانت شركة ميلور للإلكترونيات آخر شركة أرمينية تم فرض عقوبات عليها.
إلا أن تزايد حدة العدوانية الإيرانية تجاه أذربيجان لا يرجع إلى هزيمة أرمينيا أمام القوات الأذربيجانية فحسب بل بسبب الشراكة الاستراتيجية بين أذربيجان وتركيا أيضا، خاصة مع إعلان شوشا فى يونيو 2021 للارتقاء بعلاقات البلدين. إيران، التى كانت تنظر دائما إلى أذربيجان على أنها الأخ الأصغر لها، رأت أنها فقدت نفوذها لصالح تركيا وأن جارتها أصبحت تحت النفوذ التركى.
لم ترَ إيران ولم تلحظ فى إعلان شوشا إلا البند العسكرى، الذى نص على أنه فى حالة أى تهديد أو عمل عدوانى من دولة ثالثة أو دول ضد استقلالهما أو سيادتهما أو سلامتهما الإقليمية أو حرمتهما أو أمن حدودهما المعترف بها دوليا فإن أذربيجان وتركيا ستجريان مشاورات مشتركة للقضاء على هذا التهديد أو أعمال العدوان. صحيح لم يتم تحديد نوع المساعدة لأن التهديدات الأمنية يمكن أن تكون متنوعة؛ إلا أن إعلان شوشا حدد بوضوح إلى أى مدى وصل البعد العسكرى للشراكة الاستراتيجية الأذربيجانية التركية.
إيران غاضبة أيضا بشكل خاص من تركيا بسبب إنشاء ممر زانجازور الواقع على الحدود بين إيران وأرمينيا، ويربط بين جمهورية أذربيجان وإقليم ناخيتشيوان التابع لها والمتمتع بالحكم الذاتى داخل أرمينيا، الأمر الذى تنظر إليه طهران على أنه مؤامرة دولية لتطويقها جغرافيا، من هنا تنظر إيران إلى تركيا باعتبارها منافستها على النفوذ فى آسيا الوسطى. سيوفر ممر زانجازور لتركيا طريقا بديلا يتجاوز إيران إلى آسيا الوسطى.
من الجوانب الأخرى التى تعتبرها إيران تهديدا لها هى شراكة أذربيجان الاستراتيجية مع إسرائيل التى لطالما دعت فى مناسبات عديدة إلى محو طهران من خريطة الشرق الأوسط. إيران مقتنعة بأن اغتيالات الشخصيات العسكرية الإيرانية رفيعة المستوى، ولا سيما اللواء قاسم سليمانى فى يناير 2020 إلى جانب علماء نوويين آخرين، تقوم بها إسرائيل من الأراضى الأذربيجانية. لكن، من جانبها، نفت أذربيجان أن أراضيها تستخدم لشن هجمات ضد إيران.
لا ترغب إيران أو روسيا فى توقيع معاهدة سلام بوساطة الاتحاد الأوروبى بين أرمينيا وأذربيجان، وتفضلان بدلا من ذلك استمرار المفاوضات الوهمية، كما حدث فى العقود الثلاثة الماضية، لتجميد النزاعات وبالتالى ضمان استمرار نفوذهما على المنطقة. تنظر إيران وروسيا بذهول أيضا إلى التأثير المتزايد لتركيا، عندما استفادت دبلوماسيتها بشأن تجارة الحبوب أو اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب الأوكرانية، كما استفادت أنقرة من بيع الأسلحة بشكل كبير أثناء الحرب الروسية الأوكرانية.
منذ أواخر أغسطس، تزود إيران روسيا بطائرات بدون طيار وصواريخ فى تحالف تم تشكيله من عداء متبادل للأجانب (الغرب). وفى كل الأحوال، تكسب إيران إما من انتصار روسيا، والذى قد يُنظر إليه على أنه تحدٍ للعالم أحادى القطب، أو هزيمة روسيا لأنها يمكن أن تأخذ مكانها كقوة عظمى رائدة فى المنطقة.
من أجل هذا أو ذاك، يُنظر إلى توقيع معاهدة سلام بين أرمينيا وأذربيجان على أنها خدمة للمصالح الوطنية للأولى، فى حين أن استمرار تحالف أرمينيا العسكرى مع إيران وروسيا سيزيد من الركود والهجرة وضعف العلاقات مع الغرب.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
عن صحيفة الشروق