قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه أوفى بتعهده للشعب الأميركي بإنهاء الوجود العسكري في أفغانستان، ووعد بالعودة إليها إن دعت الحاجة لمكافحة “الإرهاب”، في حين أعلنت الخارجية الأميركية أن الموقف تجاه أي حكومة مستقبلية بأفغانستان يعتمد على سلوكها.
وفي وقت مبكر من فجر اليوم الثلاثاء، قال بايدن على حسابه في تويتر إن التهديد الإرهابي تمدّد إلى ما وراء حدود أفغانستان، وإن بلاده تكافح الإرهاب في بلدان عديدة ليس لها فيها وجود عسكري دائم، وإذا لزم الأمر ستفعل الشيء نفسه في أفغانستان.
وقال بايدن -في تغريدة أخرى- “مهمتنا العسكرية الحالية في أفغانستان قصيرة ومركزة، وهي نقل مواطنينا وحلفائنا بأقصى سرعة. بمجرد انتهاء مهمتنا في أفغانستان ننهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة”.
كما أصدر بايدن قرارا بتخصيص 500 مليون دولار من ميزانية الطوارئ لتلبية احتياجات الهجرة العاجلة من أفغانستان.
وأوضح بايدن أنه أمر بإرسال 6 آلاف جندي إلى أفغانستان للمساعدة في إجلاء المواطنين والحلفاء والأفغان المعرضين للخطر.
وفي السياق نفسه، أكد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن واشنطن ستحاسب طالبان إذا منحت تنظيم القاعدة ملاذا آمنا في أفغانستان.
مقبرة الغزاة
وقبل ذلك بساعات، قال بايدن في خطاب متلفز إن “الوضع في أفغانستان انهار بأسرع مما كنا نتوقعه، لكننا لا يمكن أن نقاتل في حرب مع قوات أفغانية ليست مستعدة للمشاركة فيها”.
وأضاف “ما نراه الآن يثبت أن ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنها مقبرة الغزاة، لكن الصين وروسيا تريدان من الولايات المتحدة أن تستمر في إنفاق مواردها في قتال لا يتوقف”.
وأكد الرئيس الأميركي أن بلاده أنفقت أكثر من تريليون دولار في أفغانستان، وجهزت الجيش الأفغاني، ووفرت له كل ما يحتاجه، لكن جنوده هربوا أمام مقاتلي طالبان.
وشدد الرئيس الأميركي على أن الحكومة الأفغانية رفضت نصيحته بضرورة المصالحة مع طالبان، وأن الرئيس الأفغاني أشرف غني أصر على أن القوات الأفغانية ستحارب، ومن الواضح أنه كان مخطئا.
ووفقا لبايدن، فإن مهمة أميركا في أفغانستان لم تكن بناء دولة ديمقراطية موحدة، وإنما منع الاعتداءات على الأراضي الأميركية ومحاربة من قاموا بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وأكد بايدن أنه يراقب مع فريقه الوضع الميداني في أفغانستان، وسينتقل إلى تنفيذ الخطط البديلة التي وضعوها (لم يسمها)، مشددا على أنه سيتم إجلاء آلاف الأميركيين الذين يعملون في أفغانستان في الأيام المقبلة.
وقال إن “المشاهد التي رأيناها في أفغانستان مؤلمة جدا، لا سيما للدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني”، مؤكدا أن واشنطن ستواصل دعم الشعب الأفغاني وتضغط من خلال الدبلوماسية لمنع انعدام الاستقرار والحيلولة دون وقوع عنف والدفاع عن حقوق الإنسان.
وأشار بايدن إلى أن الجيش الأميركي سيقدم الدعم لنقل آلاف من المتعاونين الأفغان وأسرهم إلى خارج أفغانستان.
وتوعد الرئيس الأميركي حركة طالبان بـ”رد مدمر” إن هي عرقلت أو عرضت للخطر عملية الإجلاء الحاصلة عبر مطار كابل لآلاف الدبلوماسيين الأميركيين والمترجمين الأفغان.
وتعقيبا على خطاب بايدن، قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إن بايدن يستحق الثناء لقيادته القوية وتركيزه الاستثنائي على إنهاء التدخل العسكري في أفغانستان.
وأضافت بيلوسي -في بيان- أنه ينبغي أن تتحد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لحماية الشعب الأفغاني، خاصة الفئات المعرضة للخطر، مؤكدة أن الكونغرس سيستمر في تلقي إحاطات من إدارة بايدن بشأن تطور الوضع الأمني في أفغانستان.
الخارجية والدفاع
وفي تطور آخر، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحفيين إن البعثة الدبلوماسية آمنة بعدما أعيد تموضعها في مطار كابل، كما نُقل جميع الموظفين المتبقين في السفارة الأميركية، بمن فيهم السفير، إلى مطار كابل.
كما أكد برايس أن دبلوماسيي بلاده ما زالوا في الدوحة ومستمرون في التواصل مع حركة طالبان.
ورأى المتحدث أن بلاده لن تعترف بأي حكومة تقودها حركة طالبان في أفغانستان إلا إذا احترمت حقوق النساء ونبذت الإرهاب، حسب تعبيره.
وأضاف أن الوضع سيبقى معقدا في أفغانستان خلال الأيام القليلة المقبلة، وأن الموقف تجاه أي حكومة مستقبلية في أفغانستان “رهن بسلوك هذه الحكومة، وبسلوك طالبان”.
في السياق نفسه، عقد المتحدث باسم وزارة الدفاع (بنتاغون) جون كيربي مؤتمرا صحفيا بشأن التطورات في أفغانستان، وقال فيه “ندرك المخاطر التي تواجه الأفغان الذين تعاونوا معنا ونعمل على مساعدتهم (…) لم نتوقع استسلام القوات الأفغانية من دون قتال في بعض الأحيان”.
وأضاف كيربي أن قوات بلاده لم تشن ضربات جوية خلال 24 ساعة الماضية، لكن قادتها على الأرض يمكنهم القيام بذلك إذا دعت الحاجة.
كما جاء في المؤتمر الصحفي أن السفارة الأميركية في كابل أُغلقت، وأن العمل جار على تأمين مطار كابل لتنفيذ عمليات إجلاء الدبلوماسيين والأجانب.
وقال كيربي أيضا “لا يمكننا تأكيد أن الحوادث الأمنية التي وقعت في كابل كانت لمسلحين من طالبان. ولا يمكنني الحديث عن مكان وجود الرئيس الأفغاني أشرف غني”.
بدورها، قالت القيادة الوسطى للجيش الأميركي “نتوقع أن يكون لدينا 3 آلاف إلى 3500 جندي على أرض أفغانستان”، مؤكدة أن قواتها تعمل على إجلاء المدنيين الأميركيين والأفغان المتقدمين بطلبات التأشيرات الخاصة.
انتقادات حادة
وقطع الرئيس الأميركي عطلته في كامب ديفيد وعاد إلى واشنطن بعد ظهر أمس الاثنين ليلقي خطابه إلى الشعب الأميركي، وسط انتقادات شديدة لإدارته هذه الأزمة.
وبايدن كان موجودا في منتجع كامب ديفيد الرئاسي منذ نهاية الأسبوع، وكان من المقرر أن يبقى هناك حتى منتصف الأسبوع الجاري، لكنه قطع عطلته وعاد إلى البيت الأبيض بسبب تسارع الأحداث في أفغانستان مع السقوط المفاجئ لكابل في قبضة طالبان، والفوضى التي تسود عملية الإجلاء التي تجريها القوات الأميركية.
وكان بايدن أدلى بآخر تصريح له بشأن أفغانستان الأسبوع الماضي، حين أكد أنه غير نادم على قرار الانسحاب، وشدد على أنه يتعين على الأفغان أن “يقاتلوا من أجل بلادهم”.
لكن الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أثار صدمة في واشنطن، واعتبر مراقبون أن سمعة الولايات المتحدة بصفتها قوة عظمى تضررت كثيرا.
ويتعرض بايدن لانتقادات حادة، إذ يرى معارضون لقراره أنه أساء إدارة انسحاب القوات الأميركية، مما دفع الولايات المتحدة إلى المسارعة لإخلاء سفارتها وإجلاء رعاياها، بعدما كان الرئيس قلل قبل شهر من أهمية المخاوف من سقوط سريع للحكومة الأفغانية.
وقال 46 عضوا بمجلس الشيوخ -في بيان مشترك- “ندعو بايدن إلى اتخاذ إجراءات سريعة وقوية لحماية ودعم القيادات النسائية في أفغانستان”.
وأفادت وكالة رويترز عن 6 مسؤولين أميركيين بوجود إحباط متزايد وغضب من طريقة تعامل إدارة بايدن مع إجلاء الأميركيين من كابل، كما اتهموا البيت الأبيض بإضاعة وقت طويل في الأشهر الماضية قبل الانسحاب.
كما نقل موقع “ذا هيل” (The Hill) عن مصادر أن أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس محبطون لافتقار خطاب بايدن إلى خطة واضحة لإجلاء المتعاونين الأفغان.
وقبل شهر، شدد بايدن على أنه يجب عدم إجراء مقارنة مع حرب فيتنام، حين حاول أشخاص التمسك بآخر المروحيات الأميركية المغادرة، وقال في البيت الأبيض “لا يمكن إجراء مقارنة مع هذا الوضع على الإطلاق”.
لكن مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مشاهد فوضى عارمة في المطار، حيث احتشد الآلاف على المدرج، في حين تمسكت مجموعات من الشباب بسلالم الصعود إلى الطائرات.
والأحد الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن -في حديث لشبكة “إيه بي سي” (ABC)- أن “هذه ليست سايغون” التي سقطت عام 1975 في حدث لا يزال مؤلما في الذاكرة الأميركية.
وتكبدت القوات الأفغانية هزيمة بعدما أنفقت عليها الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات طوال 20 عامًا؛ ففي 10 أيام، تمكنت طالبان من السيطرة على كامل المناطق الأفغانية تقريبًا.